العمارة الإسلامية لمسة ساحرة لم تفقد فخامتها :
يستهل المؤلف يحي حسن وزيري كتابه الذي حمل عنواناً رئيسياً هو :
( العمارة الإسلامية والبيئة )
وعنواناً ثانوياً هو :
( الروافد التي شكلت التعمير الإسلامي )
بمدخل تمهيدي يطرح من خلاله أربعة محاور رئيسية هي :
1 - ماهية البيئة .
2 - العمارة والبيئة .
3 - جذور التصميم البيئي في حضارات ما قبل الإسلام .
4 - المؤثرات التي ساهمت في تكوين العمارة والفنون الإسلامية .
و تهدف هذه المحاور في مجلها إلى توضيح المصطلحات والمفاهيم والأسس العامة التي يعتمدها المؤلف في بنية دراسته حيث يعرض في المحور الأول تعريفات متعددة لكلمة " البيئة " منها :
- أن البيئة هي الإطار الذي يعيش فيه الإنسان ويؤثر فيه ويتأثر به ، وتتمثل البيئة فيما يحيط بالإنسان من هواء وماء وتربة وضوء الشمس والمعادن في باطن الأرض والنبات والحيوان على سطحها وفي بحارها ومحيطاتها وأنهارها .
- وأيضاً تعريف البيئة في المعاجم الإنجليزية بأنها : مجموعة الظروف و المؤثرات الخارجية التي لها تأثير في حياة الكائنات بما فيها الإنسان ، في حين يعرفها البعض الآخر على أنها الإطار الذي يعيش فيه الإنسان ويحصل منه على مقومات حياته من غذاء و كساء و دواء و مأوى ويمارس فيه علاقاته مع أقرانه من بني البشر ، وفي ذات المحور يقسم د. يحيي وزيري البيئة من وجهة نظر العمارة والعمران إلى بيئتين أساسيتين هما البيئة الطبيعية التي من صنع الله سبحانه وتعالى والبيئة الحضرية ( المبنية ) التي من صنع الإنسان .
وفي المحور الثاني ، العمارة والبيئة يعرض المؤلف بشكل موجز بعضاً من محاولات الإنسان التي انتهجها للوصول إلى المثالية في تصميم المأوى الخاص به وتشكيله بيئياً وبصورة معمارية جميلة من خلال حلول معمارية فطرية اتبعها لمقاومة قسوة المناخ فمثلاً المنزل في منطقة الاسكيمو الباردة يتميز بتشكيله الخارجي وتشكيل فراغه الداخلي بما يلائم العيش في مكان مرتفع يتجمع فيه الهواء الساخن بعيداً عن المناخ الثلجي القارس البرودة بالخارج أما المنزل الاستوائي بفنائه الداخلي في الإقليم الحار الجاف فإنه يخزن الهواء البارد ليلاً لمواجهة الحرارة الشديدة نهاراً ، بينما يعمل التشكيل العام لكتلة المسكن الاستوائي على تسهيل حركة الهواء البارد خلاله مما يساعد على التخلص من الرطوبة العالية التي تعمل على زيادة الإحساس بالسخونة كما تساعد الأسقف المنحدرة على التخلص من الأمطار الغزيرة التي تتميز بها هذه المناطق، ويشير وزيري إلى أن فكرة التصميم البيئي في العمارة ليست بجديدة بل يمكن ملاحظتها في مأوي كائنات أخري كالحشرات والطيور والثدييات الصغيرة ويستشهد في هذا السبيل بمأوى كل من العنكبوت والنحل والنمل والأرانب البرية فتظهر لنا المهارة الفائقة التي تتبعها هذه الكائنات في تصميم بيوتها وتخير مواقعها بما يتلائم مع حياتها وظروف البيئة التي تعيش فيها، وتقدم هذه الكائنات دروس جادة للإنسان في تصميم المسكن البيئي الملائم للعيش.
حضارة بلاد ما بين النهرين ..
أما المحور الثالث فيتناول فيه المؤلف جذور التصميم البيئي في الحضارات السابقة على ظهور الإسلام كالحضارة الفرعونية وحضارة بلاد ما بين النهرين وحضارتي الإغريق والرومان والحضارة الساسانية .
وفي المحور الرابع يحدد المؤلف المؤثرات العامة التي ساهمت في تكوين العمارة والفنون الإسلامية والتي يلخصها في ثلاثة نقاط أساسية هي :
- البواعث الدينية والنظم السياسية و التشريعية .
- تأثير فنون الأمم السابقة والشعوب التي دخلت الدين الإسلامي .
- اختلاف المناخ ومواد البناء وأساليبه في أقاليم وبلاد الإسلام المفتوحة .
بعد ذلك يقدم يحي وزيري لكتابه قائلاً : ثارت تساؤلات ومحاورات عديدة حول مفهوم العمارة الإسلامية ، فالبعض يري أنه لا يجوز أن نصف المباني والعمائر التي بنيت في مختلف مناطق العالم الإسلامي عبر التاريخ بأنها إسلامية أو يطلق عليها مصطلح العمارة الإسلامية وإلا جاز لنا القول بوجود ما يسمي بالعمارة البوذية أو الهندوسية أو اليهودية وما شابه ، وأصحاب هذا الرأي يرون من وجهة نظرهم عدم الربط بين الفن أو العمارة والدين بصفة عامة بينما يري البعض الآخر أنه توجد عمارة إسلامية تتمثل في مجمل المباني والمدن التي يحفل بها العالم الإسلامي ومناطقه بما فيها البلاد التي كانت جزءاً منه في فترة من الفترات كالأندلس وصقلية ويغلب على هذا الرأي في كثير من الأحيان النظرة الشكلية حيث تصبح العمارة الإسلامية في نظرهم مجرد بعض المباني الأثرية التي تتميز ببعض الخصائص والعناصر المعمارية والزخرفية المعروفة كالأقواس والقباب والمآذن والمشربيات ، ويري فريق آخر أنه لا يمكن فهم العمارة الإسلامية والعديد من خصائصها الجوهرية إلا من خلال معرفة المؤثرات الدينية التي تعتبر عاملا أساسيا في إعطائها شخصيتها المتميزة عن سائر الطرز المعمارية الأخرى ووجهة نظر هذا الفريق ترتكز على أن الإسلام كدين شامل وجامع قد حدد أطر العلاقة بين العبد وربه وبين مجتمعه ولم يترك صغيرة ولا كبيرة في حياة المسلم إلا ووضع لها الإطار النموذجي الواجب الإتباع وعلى ذلك فإن الإسلام ما كان ليهمل مسألة تحديد نظام حياة ومعيشة المسلم وفيها بالطبع أسلوب عمارة الأرض بصفته خليفة الله فيها. كما ناقشت العديد من الأبحاث والكتابات والمؤثرات البيئية على العمائر والمدن الإسلامية في محاولة لإظهار ردود فعل المعمار والفكر الإسلامي مع معطيات البيئة خاصة في المناطق الصحراوية من العالم الإسلامي ولكن يلاحظ أن أغلب هذه المحاولات تركز على المؤثرات المناخية فقط والتي تمثل أحد أهم جوانب البيئة الطبيعية ، كما أن هذه الدراسات غالبا ما تركز على عمارة المسكن الإسلامي دون سائر الأنواع الأخرى من المباني والتي يأتي على رأسها المسجد ..
روافد دينية وحضارية ..
ويرى أيضاً أنه لا يمكن فهم العمارة الإسلامية إلا بنظرة أكثر شمولية وأكثر عمقاً، فالعمارة الإسلامية شكلتها روافد عدة دينية وحضارية ومناخية ، وهذه الروافد مجتمعة تمثل الرؤية الشاملة لمفهوم البيئة والتي يجب ألا تقتصر على العوامل المناخية فقط ، ولكن تتعداها لتشمل البيئة الدينية والاجتماعية والثقافية أيضاً ، ولتحقيق ذلك يقسم د. وزيري دراسته بالإضافة إلى المدخل التمهيدي والمقدمة إلى ستة فصول أساسية تتناول الفصول الثلاثة الأولى الخطوط العامة للدراسة .
الفصل الأول :
عمارة البيئة في الإسلام يبين المؤلف في أربعة أجزاء يحتويها هذا الفصل العلاقة بين التوجيهات الإسلامية وعمارة البيئة بصورة أساسية والتي تنبع في الأصل من اهتمام الإسلام الكبير بإعمار الأرض عمارة صالحة . فيبدأ في الجزء الأول بعرض المفهوم الإسلامي لعمارة البيئة مشيرا إلى بداية استخدام علماء المسلمين لكلمة"البيئة" استخداماً اصطـلاحياً وذلك منذ القرن الثالث الهجري ، وفي الجزء الثاني يعرض لعمارة البيئة في القرآن الكريم لافتا الانتباه إلى أن بعض السور القرآنية لها أسماء مرتبطة بالعمارة والتعمير كسور: ( الكهف ) والحجرات و البلد وأيضاً ورد ذكر العمارة بلفظها أو اشتقاقها في آيات عديدة ، وكذلك ورد ذكر أسماء بعض المدن والقرى مثل بكة ( مكة ) والمدينة وإرم وسبأ ، وأيضا قص القرآن الكريم بعضا من جوانب الحضارات المعمارية للأمم السابقة على ظهور الإسلام كحضارة ( ثمود ) ، كما يشير القرآن إلى ظروف البيئة كعامل مؤثر في اختيار مواقع المدن إضافة إلى إشارته و ذكره لبعض المواد الإنشائية والمعمارية كالآجر الذي يصنع عن طريق حرق الطين والصخر والحديد والنحاس والزجاج. وفي الجزء الثالث من هذا الفصل يتناول عمارة البيئة في السنة النبوية فيتوقف عند بناء مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام في المدينة باعتباره حدثا فريدا في تاريخ العمارة الإسلامية فهو أول بناء خالص يمكن إطلاق صفة إسلامي عليه ، وقد وضع الرسول الكريم بأفعاله وتوجيهاته في بناء المسجد النبوي أسس عمارة المساجد تاركاً بعد ذلك للمسلمين حرية الابتكار والإبداع حسب ظروف كل مكان وبيئته .ويعرض المؤلف المنهج الذي انتهجه المسلمين في إنشاء المدن والسوق والطرق ويستشهد بالمدينة المنورة والبصرة والكوفة والفسطاط والعسكر والقطائع . ويختتم الفصل الأول بالجزء الرابع وعنوانه : عناية الفقه والقضاء الإسلامي بعمران البيئة وأحكام البنيان الذي يشرح فيه فقه العمارة الإسلامية ويشرح أيضاً اعتماد فقهاء الإسلام في تناول قضايا وأحكام البنيان على قول الله سبحانه وتعالى : " خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين " آية 199 ( الأعراف )
الفصل الثاني :
من الكتاب ( التفاعلات الحضارية التي شكلت العمارة الإسلامية ) يرصد فيه بداية العمارة في الإسلام وكيف استفادت في مراحل التكوين الأولى من الحضارات السابقة عليها ويقسم المؤلف هذا الفصل إلى ثلاثة أقسام رئيسية يشير في :القسم الأول :
إلى أشهر تصنيفات الآثار والعمائر الإسلامية التي وضعها العلماء المتخصصون في هذا المجال ومنهم الألماني" ايرنست كونل " و " كريزول " و " جورج مارسيه " ويتوقف د. وزيري عند تصنيفين مبتكرين لكل من " جوستاف لوبون " وأنجزه في كتابه " حضارة العرب " الذي ألفه عام 1884م و" جون هوج " في كتابه ( العمارة الإسلامية ) 1977م .
القسم الثاني :
فيعرض مدارس وطرز العمارة الإسلامية وهي : الطراز الأموي في الشام والأندلس والطراز المغربي الأندلسي والطراز العباسي بالعراق والولايات الأخرى والطراز الفاطمي في مصر والطراز السلجوقي في إيران وتركيا وعهد الأتابكة وطراز العصر الأيوبي في مصر وسوريا وطراز العصر المملوكي في مصر وسوريا والطراز المغولي والتيموري والصفوي بإيران والطراز الهندي والطراز العثماني .
القسم الثالث :
يقدم عرضاً لتأثير العمارة الإسلامية على مباني الغرب .
الفصل الثالث :
( المعالجات المناخية في تخطيط وتصميم مباني المدينة الإسلامية ) يدرس الظروف والمشكلات المناخية وأيضاً المعالجات التخطيطية في المدينة الإسلامية كشروط اختيار مواقع المدن الإسلامية وإتباع الحل المتضام للمباني أي تقارب المباني بعضها من بعض بحيث تتكتل وتتراص في صفوف متلاصقة لمنع تعرض واجهاتها بلا داع للعوامل الجوية وضيق الشوارع وتعرجها وتسقيف الشوارع وبروز الواجهات ومراعاة الجوانب الصحية ويدرس في هذا الفصل كذلك عناصر المعالجات المناخية في المباني كنوعية مواد البناء المستخدمة والفناء الداخلي والتختبوش والمقعد والإيوان وملاقف الهواء والنوافذ والفتحات والمشربيات وأساليب الإضاءة الطبيعية واستخدام العناصر الطبيعية الماء ، النباتات ومعالجة الضوضاء .أما الفصول الثلاثة الأخيرة من الكتاب فإنها تؤكد على بعض تفصيليات العمارة الإسلامية وعلاقتها بالبيئات المحيطة ، وقد حملت هذه الفصول العناوين الرئيسية الآتية :
- عمارة المساجد... رؤى بيئية .
- المسكن الإسلامي في البيئات الحضرية وغير الحضرية .
وتحت العنوان الأول عالج المؤلف موضوعات :
الوحدة والتنوع في عمارة المساجد مستشهدا بالنماذج المعمارية للمساجد النبوي وذي المجاز القاطع وذي الأكتاف البنائية والمعلقة وذي الإيوانات وذي القبة المسيطرة ومقدما في ذات الوقت عرضاً موجزاً لأبرز العناصر المعمارية بالمساجد كالمحاريب والمنابر والمآذن والقباب والأعمدة والعقود والشرفات والمقرنصات .
التأثيرات المتبادلة بين المسجد والبيئة العمرانية .
الوحدة والتنوع في عمارة المساجد مستشهدا بالنماذج المعمارية للمساجد النبوي وذي المجاز القاطع وذي الأكتاف البنائية والمعلقة وذي الإيوانات وذي القبة المسيطرة ومقدما في ذات الوقت عرضاً موجزاً لأبرز العناصر المعمارية بالمساجد كالمحاريب والمنابر والمآذن والقباب والأعمدة والعقود والشرفات والمقرنصات .
التأثيرات المتبادلة بين المسجد والبيئة العمرانية .
- المؤثرات المناخية على عمارة المساجد .
- أثر تعدد البيئات الثقافية في اختلاف التشكيل المعماري للمساجد مع قيام المؤلف بعرض نماذج من عمارة المساجد في آسيا ( سنغافورة ، نيبال ، ماليزيا ) وفي جنوب الصحراء الإفريقية وكذلك في بيئة المجتمعات غير المسلمة ، أمريكا كنموذج حديث .
وتحت العنوان الثاني يناقش موضوعات :
- المسكن الإسلامي في البيئات الحضرية كمساكن المدن الحجازية (مكة المكرمة،المدينة المنورة، جدة) والمسكن اليمني والخليجي والعراقي بالإضافة إلي دراسة تحليلية للمسكن بمدينة رشيد المصرية التي تتميز بيوتها بطابع معماري يختلف عن بيوت القاهرة الفاطمية .
- المسكن الإسلامي في البيئات غير الحضرية ومنها مساكن النوبة في جنوب مصر ومساكن الهاوسالاند في نيجيريا ومساكن الريف في شمال المغرب ومساكن الشاوية في الجزائر ومساكن تحت الأرض بمطماطة في تونس والمساكن المبنية بالنخيل في سلطنة عمان والمساكن المتعددة الأدوار في عسير بالسعودية ومساكن المستنقعات في العراق ومساكن خلايا النحل في سوريا ومساكن جيلان في إيران ومساكن خيمة اليورت في أفغانستان ومساكن كاروباتاك في إندونيسيا والمسكن الملاوي في ماليزيا .
- المباني التي لها صفة المسكن كالربع الإسلامي والوكالة والخان .
أما العنوان الثالث والأخير فيهتم بطرح عدة قضايا هي :
1 - فوائد الحدائق والمسطحات الخضراء للإنسان والبيئة ( الفوائد الصحية والبيولوجية ، الفوائد المناخية ، الفوائد الجمالية والاجتماعية ) .
2 - التطور التاريخي لتصميم الحدائق ونبذة عنها تنسيق الحدائق في عصر القدماء المصريين والآشوريين والبابليين والفرس والإغريق والرومان .
3 - الحديقة الإسلامية وتأثرها بفكرة الفردوس مع تقديم إيجاز لعناصر الحديقة الإسلامية وهي: الأشجار والنباتات ، الاستخدامات المتنوعة للماء ، المجالس المظللة والمكشوفة ، الروائح الزكية والأصوات الجميلة ، الخط والكتابات العربية .
4 - التكامل بين الحديقة الإسلامية والفناء الداخلي.
5 - عرض نماذج من حدائق العالم الإسلامي الحدائق الأندلسية ، الحدائق الأناضولية بتركيا ، الحدائق الإيرانية ، الحدائق الهندية .
وعلى الرغم من أهمية هذه الدراسة وتمـيزها وتفرد مـادتها العلمية والجهد الكـبير الذي بذله المؤلـف د. يحيي وزيري إلا أنه ينقصها الاستعانة باللوحات والصور والرسومات الهندسية من مساقط وقطاعات ومناظير لتدعيم مادة الكتاب وإثراءه .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق