الأربعاء، 20 أكتوبر 2010

خصائص الفن المعماري الإسلامي ( 6 )




تعاليم معمارية وعمرانية إسلامية :
- عززت التعاليم والمبادئ والتقاليد الإسلامية هُوية العمارة، ووطدت شخصيتها، وإذا ما أتيح جمعها في دراسة شاملة تكون لدينا الأساس النظري للعمارة الإسلامية، وأول هذه التعاليم صدرت عن الخليفة الثاني عمر بن الخطاب ، إذ يأمر والي البصرة والكوفة بالتقيد بأبعاد حددها للشوارع والأزقة ولالتصاق الدور وارتفاعها والتفافها نحو المسجد ودار الإمارة، ولقد قدم الفلاسفة والمفكرون مثل ابن سيناءوابن خلدون وابن قتيبة مبادئ معمارية هامة مشابهة، وكذلك كان دور الفقهاء، فلقد قدم ابن الرامي (ت 376 هـ) في كتابه (الإعلان بأحكام البنيان) قواعد تنظيمية وصحية مهمة، كما توسع في الحديث عن الأخطاء المعمارية وآثارها، مثل خطأ عدم حماية المبنى من الدخان والروائح والضوضاء والشمس، وفرض احترام حرمة الآخرين بعدم الإطلال على الجوار، وعدم إفساح مجال إطلاع المارة على داخل المسكن .
- خضعت العمارة فناً وهندسة إلى العقيدة الإسلامية مما ميز هويتها الموحدة على امتداد العصور، ولكن اختلاف العادات واللغات والحضارات في العالم الذي دان بالإسلام من الصين شرقاً إلى المحيط الأطلسي غرباً، أوجد تنوعاً في الإبداع مع التصاق قوي بالوظيفة . لقد كان الطراز الإغريقي والروماني واحداً في جميع المباني على اختلاف وظائفها، ولكن العمارة الإسلامية تميزت بانسجام الشكل المعماري مع المضمون الوظيفي ، وهكذا تختلف عمارة المسجد عن عمارة المدرسة أو المدفن أو المشفى أو البيت، ويبقى من الصعب أن نخطئ في تحديد وظيفة المبنى من خلال شكله المعماري. بل تأتي قيمة المبنى من مدى ملاءمته لوظيفته المحددة ، فيكون البيت أكثر كمالاً إذا حقق الوظيفة السكنية من لجوء وسكينة وأمن ، وتحدث ابن قتيبة في شروط المسكن سواء كان خيمة أو مبنى، وعدد من البيوت البروج المشيدة بالجص والبيت المجرد المسنم والبيت المعرس أي في وسطه حائط حامل للسقف، وذكر أسماء الغرف بحسب وظائفها، المخدع والكنّة والسقيفة والفِناء وعقر الدار والمشارب أي الغرف ، والعّنة أي حظيرة الإبل ، والكنيف أي بيت الخلاء، وتحدث عن أهمية مواد البناء لضمان سلامته ومتانته .
- تبقى علاقة العمارة بالبنية العمرانية من أهم الأسس التي قامت عليها نظرية العمارة الإسلامية ، وقلما يفصل الجَغْرافيون والرحالة والشعراء في وصفهم العمارة عن البيئة الحضرية التي تقوم عليها هذه العمارة ويقول الشاعر أسعد تبع:
دارُنا الدارُ ما تُرام اهتضاماً نطقتْ بالكرومِ والنَّخلِ
والـزَّرعِ وإن آثارنَا تدل علينا من عدّوِ ودارُنا خيرُ دارِ
وأصنافِ طيّب الأشجارِ فانظروا مِن بعدِنا إلى الآثارِ
ولقد حدد المسعودي شروط الاختيار الجَغْرافي في البيئة البدوية لإقامة المنازل البدوية، فهو يقول: " الواجب تخير المواضع بحسب أحوالها من الصلاح" كما قام الهمذاني بتحديد شروط البيئة الحضرية للمدن كمدينة صنعاء، واشترط تطويع المباني مع البيئة الحضرية، أي مع العمران المدني، فتحدث عن توجيه المباني باتجاه الريح، وعن زراعة الخضار لتزويد السكان وتلطيف الجو، وعن توفير الماء وتنظيم الري، وعن مواد البناء وتقنياته وتحديد المقاسات والمساحات، كما تحدث عن الخصائص الشكلية للعمارة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Enter your email address:

Delivered by FeedBurner